*
كَانَ السفَرُ مفاجئَاً ، اذ انَ والدي قد رفضَ السفر لها مُسبقَاً
مُحتجَاً بضغط العمل والازدحَام بحجوزَات الطائرَه ،
لا يستعِدُ المرءُ للسفر كما يستعد للسفر لمكَة خاصَةً ، حيثُ يشعرُ الانسانُ فِي تجهيزه لحقيبَة مكه بكل مشَاعر الشَوق و الحمَاس و كَأن هناك من ينتظِرهُ و يتشوقُ لإستقباله ،
لأنها أرضُ الله المقدَسَه نشعُر بأَن ملائكةَ ربيِ هي من ينتَظُرنا ، متشَوقَةً لأن نملأ قلوُبنَا نوراً و نشّبعُ عروقنَا طُهراً ، و نرتويِ من ماءِ ربنَا العَذب ،
الحديثُ عن مكَه و أشواقُنا لها يستغرِقُ عامَاً من التعبيرْ ")
أقلعت الطَائرَه العملاقَه مُتجهَةً إلىَ جدَه
مدينَةُ الحياةَ و الحريَه ،
و ككلِ مره لا تتصاعدُ الافكار إِلىَ ان كُنتُ في الطَائرَه ، و كأنَ السماءَ تمنحنَا سحرَ الكتابَه !
بتُ أفكرُ ب فكرةَ طائَرة ضخمَه تحملُ لها مئات المسافريِن و الحقَائب و غيرها ، كيف لا تسقط ! ( لا أملُ من التأملُ بهذِه الفكره )
كمْ من غريبْ و مجروح و عشيقْ حملَته الطَائرَه ؟
هلّ شهدَت هذِه المقاعدُ على دُموعِ عاشق و لعنات مُهاجر ملَ اوضَاع البلاد ؟
و بدأتُـ ...
حسَناً انقطَع حبلُ افكارِي من نداءِ اختِي المتكرر ( لا مجالْ للهدُوء مع العائله )
وصلنَا إلىَ جدَه ، تلّكَ المديَنه الدَافئَه
تُذكرنِي كثيراً ب مصر ، مدينَةٌ مملوءَة بالحياة
و ان كَانت حزيَنه :")
شعرتُ بالدفء فوراً فَ جده مدينَةُ الأصدقاءَ و البحر ، احملُ ذكرياتٍ جميلَه فيها ، و ليَ اصدقآءٌ عدَه من اهلها فمنَ الطبيعي ان أشعُر بالحنينِ لهَا !
توجهنا لمكه بسيارَة من نوع فَان
مع سَائقِ أجرَه سعودِي الجنسيَه ،
كان بعكسِ جميع سائِقي الأجره ، بدا هادِئاً و لم يزعِج والديِ بالأسئله ك عادَةِ السائقيِ !!
السَاعه : 1:16 صباحاً
وصلَنا ل فُندق دار التوُحيد ،
الفندُق المفضل لدَىَ عائلتِي .
بدأنا بالوضوءَ و ثم توجهناَ للحرم المكِي ،
كان الجو رائِعاً ، خفيفُ البرودَه ، و لم يكن الحرم مُزدحماً ، بدأنَا ب الطواف حوَلَ تلّك الكعبَةُ العظيمه ، لا أعلم لكن شعرتُ بأنَيِ خفيفَةٌ جداً بتلكَ الليلَه و بقليل من التعب ،
كانت رؤيَةُ المسلمين و هم يرددون الأدعيَه ب خشوع لله منظَرٌ يجعلُ قلبيِ يخفقُ كثيراً.
من جميع أرجاءَ العالم
عرب آسيوينْ و اوربيون و من افريقيا ، جميعٰهم امتلَئَ قلبهُم بالإيمان ، لا فرقَ بينهُم لا بالمناصِب و لا حتىَ العوائِل و لا بالمال و لا ب ألوانُ البشرَه ، جميعنَا نتساوىَ عندَ الله ،
لنّ يرىَ الله هل انتَ جميل ؟ او انك تحملُ سيارةً باهضَة الثمن ؟ لن يحبَك الله لأنَ لون بشرتِكَ بيضَاءَ ؟ و عيناك جميلتَان ؟
بلّ سيحِبَكَ الله ان كان قلبَكَ جميلاً ، ممتلئَنَاً حباً بِه و بِ دينِهِ العظِيم !
أليسَ الإسلامُ رائَعاً !
أنهينَا الطوافْ و بدأنا بالسعيِ ،
حسناً كانَ متعبَاً قليلاً ، لكن التعب مختلِطٌ بشعور لذيذ *
و بكلِ جانب تجدُ صنابيرْ لماء زمزَم ، و عدَةُ عمال نظافَه يمسحون الأرض ان تبللت و يحملون الأكواب المستعملَه ،
توجهتُ لها و بدأ العاملُ الذيِ بدآ انهُ باكستانِي الجنسيَه بسحبِ كأسٍ ليِ و ملئها بالماء و مدها ليِ و وجهُه مبتسِم ،
كدّتُ أبكيِ ، لم أعلم لمَا !
اخذُت الكأسَ و شكرتُه و بخجل قلتُ له :
الله يحبُك . شكراً
تمنيتُ كثيراً و انَا أسعىَ ان يعيشَ سعيدَاً و ان يرزُقُه الله كثيراً كثيراً ، فهوُ يستحق .
فيِ نهايةُ السعيِ توجهناَ للساحه أمامَ الكعبَه و صليناَ ركعتانَ و قلوبنا ممتلِئَةً شُكراً و حمدَاً
حملَ والدِي الحبيب اختيِ الصُغرىَ فوقَ كتفيّه و توجه للكعبَه لتلمسَها ، فقد طلبت ذلك كثيراً .
و من الرائِع ان الطريقَ للكعبَةِ ليسَ مزدحماً
فالمعتمرينْ قليل ،
و بحماس ذهبتُ للمسِها ، فهيِ ستكون المرَةُ الأولىَ ليِ .
كانَ شعوراً مُذهلاً ، حقاً شعوراً مُذهِل
كانَ القماشُ ناعماً حالِكَ السوادْ ،
لوهلَه بدأتُ بتذكرُ الاحداثَ التيِ قرأناهاَ و حصلت في الحرم منذُ عصر الرسول صَلىَ الله عليه وسلم ، كانَ شعوراً غريباً مختلطَاً بالحنين ! فالرسُولُ صَلى الله عليهِ و اصحابِه كانوُا هُنا ،
اللهمَ اجعلنَا نسعدُ ب رؤيَة نبيكَ فيِ جناتكْ
انتهىَ اليومُ الأولْ و مضت الأيام
بالصَلاة ف الحرم و التسوق في اسواقُ مكه البسيطَه ،
كنت أحبها كثيراً بعكس اختيِ و والدتيِ
أحبُ البساطَةَ كثيراً وتلكَ الأجواءَ ،
اختيِ كانت ضجرَه و تطلبُ منا العودَه
و اميِ تتأملُ فقط .
أشتريتُ اسوارَةً لطيفَه انا و اختيِ من بائِعٍ هنديِ يبدوُ انهُ استغل جهلنا ب ( المكاسرَه )
" كالعاده "
و اميِ اشترتَ خاتماً من الذهبْ لجدتِي ،
و القليل من سيديَاتِ القرآن لقارئٍ اعجبها صوته ، *
فيِ آخر يوم لنَا ، بدا يوماً كئيباً "قليلاً"
انهينَا الإفطَار فيِ مطعمْ الفندق ، و قررنا الاستسلام للنوم
ثم بدأنا بترتيب الحقائب و توجهنا للحرم لصلاتنا الأخيرَه *
صعدنَا مع سائقٍ حجازيِ و في الازدحام احاطت بسيارتنا مجموعَة من النسَاءَ اللاتيِ يطلبّنَ مالاً ،
نصحنَا السائِق بعدم تقديم المال ، لأنهن سوفَ يطلبن المزيد و سيتكاثرن .
صمتَ والديِ ، الىَ ان تقدمت عجوزٌ مُسنه بيضاءَ البشرَه بدت محتاجَةً جداً !
فتحَ والديِ النافذَه وقدمَ لها المال ،
ما ان امسكتْ المال حتى ضربتها امرأَةٌ سمراءَ سمينَه ، و بدأنَ البعضُ بسحبِهِن و فكُ النزاع ، كانت تضربها و تحاولُ سحب مالها و تقول انهُ لي ،
غضبَ والديِ و بدأ بالصراخ و حتىَ السائق غضب وقال انهُ رزقها اترُكيها فهيِ عجوز
بدأَ السائقين الخلفين ب ضرب المنبه لنمضي
مشينا قليلاً وتوقفنا ف الازدحام من جديد
و عادَت تلكَ العجوز و عيناها حمراءُ اللون ممتلئَةً بالدموع ، تشتكيِ عندَ نافذَةِ والديِ
قدَمَ لها والديِ مالاً جديداً و هو يواسيِهَا .
أقسِمُ بالله أنِيِ لن انسَى هذَا الموقفَ ماحييت
ف تلكَ اللحظات و ككلِ مره اتذكرُ الموقف
اشعُرُ بأنَ قلبيِ سوفَ ينفجرُ قهراً و حزنَاً
و ألمَاً
كيفَ لعجوزٍ ان تعيش وحدها و بحياةٍ كَ تلك
ماهذَا الظُلم ! أَأُضرب لأنيِ ضعيفَه
كم من فقيرٍ محتاج !
قد يضرب و يسرق و يقتل فقط ليعيش ؟
تلّكَ الملايين من الافارقَه كيفَ يعيشوٰنَ بيننا بلا سبب ؟
ليس تقليل شأن والله !
لكن اعتقدُ انهم تحتَ خط الفقر فلا مصدرَ لرزقهم سوىَ قلوب المعتمرين و غيرهُم !
هل يعقل !
ازدحام و اسباب للجريمَه ؟
لابدَ من حلول لهم ؟ علىَ الأقل الاستعانهَ بهم ف المصانع او اعمالُ تحتاجُ لعدد كبير من العمال ! مع راتبٍ شهري قد يقلل السرقات و المشاكل .
في اخر يوم ليِ في مَكَه
كنتُ أبكيِ إلىَ ان صعدنا الطائَره
و عينا تلك العجوز لم تفارقنيِ .
و مازلّتُ ادعوُ ..
سَاره *